Admin Admin
عدد الرسائل : 73 تاريخ التسجيل : 01/03/2007
| موضوع: صور من حياة الصحابة. السبت مارس 10, 2007 12:14 pm | |
| السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاتهـ بسمـ الله الرحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــن الرحيمـ
(( اللهمـ إني أحببت صحابة نبيّكـ محمّد صلى الله عليه وسلّمـ أصدق الحبـ وأعمقه ؛ فهبني يوم الفزع الأكبر لأيٍّ منهمـ ؛ فإنكـ تعلم أنّي ما أحببتهمـ إلا فيكـ ، يا أرحمـ الراحمين ))
هذا الموضوع يتضمن سلسلة من حياة بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلمـ كتبته <<أنا اللي كتبتـــه ونقلته من كتاب صور من حياة الصحابة >> color]
((1)) ^^أبو عبيدة بن الجرّاح^^
قال رسول الله صلى الله عليه وسلمـ :- (لكلِّ أمةٍ أمينٌ ، وأمين هذهـ الأمة أبو عبيدة)
كان وضيء الوجه ، بهي الطلعة، نحيل الجسم، طويل القامة ، خفيف العارضين ::: ترتاح العين لمرآهـ وتأنس النفــس للقياهـ ، ويطمئن إليه الفؤاد.
وكــان إلى ذلكـ رقيق الحاشية ، جمَّ التواضع (كثير التواضع)، شديد الحياء ، لكنَّه إذا حزب الأمر (اشتد الأمر) وجدّ الجد يغدو كأنّه الليث عادياً. فهو يشبه نصل السيف رونقاً وبهاءً، ويحكيه(يماثله) حدةً ومَضاءً. ذلكمـ هو أمين أمة محمد ، عامر بن عبد الله بن الجرّاح الفِهري القرشي ، المكنى بأبي عبيدة.
نعته عبد الله بن عمر رضي الله عنهمـا فقـال : (ثلاثة من قريش أصبح النّاس وجوهاً ، وأحسنها أخلاقاً ، وأثبتهــا حياءً إن حدّثوكـ لمـ يكذبوكـ (لم يكذبوا عليكـ) ، وإن حدّثتهمـ لم يكذِّبوكـ :أبو بكر الصّديق،وعثمان بن عفّان وأبو عبيدة بن الجراح.)
*******
كــان أبو عبيدة من السابقين الأوّلين إلى الإسلامـ ، فقد أسلمـ في اليوم التالي لإسلامـ أبي بكر، وكــان إسلامه على يدَي الصّديق نفسه،فمضى به وبعبد الرحمن بن عوف وبعثمان بن مظعون وبالأرقمـ بن أبي الأرقمـ إلى النبي صلى الله عليه وسلمـ فأعلنوا بين يديه كلمة الحق ، فكــانوا القواعد الأولى التي أقيم عليها صرح الإسلامـ العظيمـ.
********
عــاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية في مكّــة منذ بدايتها إلى نهايتها ، وعانى مع المسلمين السّابقين من عنفهـــا وضراوتهــا وآلامهـــا وأحزانهــا ما لمـ يعانهِ أتباع دينٍ على ظهر الأرض ، فثبت للإبتلاء (الاختبار) ،وصدق الله ورسوله في كل موقف . لكــــــــنّ محنة أبي عبيدة يوم بدر فاقت في عنفهــا حسبـــان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين.
*********
انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لا يهــاب الردى ، فهابه المشركون ، ويجول جولة من لا يحذر الموت ، فحَذِرَهـ فُرسان قريش وجعلوا يتنحون عنه كلما واجهوهـ... لكــــــــنّ رجلاً واحداً منهمـ جعل يبرز لأبي عبيدة في كل اتجاهـ ؛ فكـان أبو عبيدة يتحرّف (يتنحى) عن طريقه ويتحامى لقاءه (يتجنب لقاءه ويتوقاهـ). ولجّ الرجل في الهجومـ ، وأكثر أبو عبيدة من التنحي ، وسد الرجل على أبي عبيدة المسالكـ ، ووقف حائلاً بينه وبين قتــال أعداء الله . فلمــّا ضاق به ذرعــاً(لم يستطع الصبر عليه) ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين ؛ فخرّ الرجل صريعاً بين يديه .
لا تحاولوا -- أيــها القراء – أن تخمّنوا من يكون الرجل الصريع... أمَا قلت لكمـ : إنّ عنف التجربة فاق حسبــان الحاسبين ، وجاوز خيال المتخيلين ؟؟
ولقد يتصدّع رأسكـ إذا عرفت أن الرجل الصريع هـــــــــــــــــــــــو عبد الله بن الجراح والــــــــــــــــــــــــــــــد أبي عبيدة.
*******
لمـ يقتل أبو عبيدة أباهـ ، وإنما قتل الشـــــــركـ في شخص أبيه . فأنزل الله سبحانه في شأن أبي عبيدة وشأن أبيه قرآناً فقال – عَلَت كلمته - : [ لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروحٍ منه ويدخلهم جنّات تجري من تحتهــا الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألآ إن حزب الله هم المفلحون] *********
لم يكن ذلكـ عجيبا من أبي عبيدة ، فقد بلغ من قوة إيمانه بالله ونصحه لدينه ، والأمانة على أمّة محمد مبلغا طمحت إليه نفوس كبيرة عند الله . حدّث محمد بن جعفر ، قــال : قدِم وفدٌ من النّصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسمـ ابعث معنــا رجلاً من أصحابكـ ترضاه لنــا ليحكمـ بيننا في أشياء من أموالنا اختلفنا فيها ، فإنّكمـ عندنا معشر المسلمين مرضيّون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمـ : ائتوني العشيّة أبعث معكمـ القوي الأمين ، قال عمر بن الخطاب : فَرُحْت إلى صلاة الظهر مبكرا ، وإني ما أحببت الإمارة حبّي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحب هذا النعت ... فلمّا صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ، جعل ينظر عن يمينه وعن يسارهـ ، فجعلت أتطاول له ليراني ، فلم يزل يقلب بصرهـ فينا حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح ، فدعاهـ فقال : اخرج معهمـ فأقضِ بينهمـ بالحق فيما اختلفوا فيه ، فقلت : ذهب بها أبو عبيدة.
*************
ولمـ يكن أبو عبيدة أمينا فحسب ، وإنّما كان يجمع القوة إلى الأمانة ، وقد برزت هذهـ القوة في أكثر من موطــن :
برزت يومـ بعث الرسول جماعة من أصحابه ليتلقّوا عيراً(قافلة) لقريش ، وأمَّر عليهمـ أبا عبيدة رضي الله عنهمـ وعنه ، وزوّدهمـ جراباً من تمرٍ ، لمـ يجد لهمـ غيرهـ ، فكان أبو عبيدة يعطي الرجل من أصحابه كل يومـ تمرة ، فيمصُّها الواحد منهمـ كما يمص الصبي ضرع أمه ، ثم يشرب عليها ماءً ؛ فكانت تكفيه يومه إلى الليل.
**************
وفي يومـ أحد يوم هُزِمَـ المسلمون وطفق صائح المشركين ينادي : دلوني على محمد ... دلوني على محمد ... كان أبو عبيدة أحد النّفر العشرة الذين أحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ليذودوا عنه (ليدفعوا عنه) بصدورهم رماح المشركين . فلمّا انتهت المعركة كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد كسرت رباعيته (السّن التي بين الثنية النّاب) وشُجّ جبينه وغارت في وجنته حلقتان من حلق درعه ، فأقبل الصِّديق يريد انتزاعهما من وجنته فقال له أبو عبيدة : أُقسم أن تتركـ ذلكـ لي ، فتركه ، فخشي أبو عبيدة إن اقلعهما بيده أن يـــــــــــؤلم رسول الله ، فعضَّ على أولاهمــا بِثَنِيََّتِهِ (جمعها ثنايا وهي أسنان مقدم الفم) عضاً قوياً محكماً فاستخرجها ووقعت ثنيته ... ثم عضّ على الأخرى بثنيته الثانية فاقتلعها فسقطت ثنيته الثانية ... قال أبو بكر : [ فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً (الأهتم من انكسرت ثنيتاه) ]
*************
لقد شهد أبو عبيدة مع رسول الله صلوات الله عليه المشاهد كلها منذ صحبه إلى أن وافاه اليقين .
فلمّا كان يوم السقيفت (المراد به يوم بيعة أبي بكر رضي الله عنه ،فقد تمت بيعته في سقيفة بني ساعدة) ، قال عمر بن الخطاب لأبي عبيدة : ابسط يدكـ أبايعكـ ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن لكل أمة أميناً ، وأنت أمين هذه الأمة . فقال أبو عبيدة : ماكنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنــا في الصلاة فأمَّنا حتى مات .
ثم بويع بعد ذلك لأبي بكر الصديق، فكان أبو عبيدة خير نصيح له في الحق ، وأكرم معوان له على الخير . ثم عَهِدَ أبو بكر بالخلافة من بعده إلى الفاروق فَدَان له أبو عبيدة بالطاعة ، ولم يعصهِ في أمر ، إلا مرةً واحدة فهــــــــل تدرون مالأمر الذي عصى فيه أبو عبيدة أمر خليفة المسلمين ؟! لقد وقع ذلك حين كان أبو عبيدة بن الجراح في بلاد الشام يقود جيوش المسلمين من نصرٍ إلى نصر حتى فتح الله على يديه الديار الشامية كلها... فبلغ الفرات شرقاً وآسيا الصغرى شمالاً. عند ذلكـ دهم بلاد الشام طاعون ما عَرَفَ الناس مثله قط فجعل يحصد الناس حصداً... فما كان من عمر بن الخطاب إلا أن وجه رسولاً إلى أبي عبيدة برسالة يقول فيها : إني بَدَت (ظهرت) لي إليكـ حاجة لا غنى لي عنكـ فيها، فإن أتاكـ كتابي ليلاً فإني أعزم عليكـ (أطلب منكـ) ألاَّ تصبح حتى تركب إلي ، وإن أتاكـ نهاراً فإني أعزم عليكـ ألا يمسي حتى تركب إلي . فلمّا أخذ أبو عبيدة كتاب الفاروق قال : قد علمت حاجة أمير المؤمنين إليَّ ، فهو يريد أن يستبقي من ليس بباقٍ ، ثم كتب إليه يقول : يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي ، وإني في جند من المسلمين ولا أجد في نفسي رغبة عن الذي يصيبهم (أي لا أرغب في أن أحفظ نفسي مما يصيبهم ).... ولا أريد فراقهم حتى يقضي الله فيََّ وفِيهم أمره ... فإذا أتاكـ كتابي هذا فحلِّّلِّني من عزمكـ ، وائذن لي بالبقاء . فلما قرأ عمر الكتاب بكى حتى فاضت عيناه ، قال له مَن عنده –لشدة ما رأوا من بكائه -- : أمات أبو عبيدة يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، ولكن الموت منه قريب . ولم يكذب ظنّ الفاروق ، إذ مالبث أبو عبيدة أن أصيب بالطاعون ، فلنا حضرته الوفاة أوصى جنده فقال : إني موصيكمـ بوصية إن قبلتموها لن تزالوا بخير : أقيموا الصلاة ، وصوموا شهر رمضان ، وتصَــــدّقوا ، وحجًُّوا واعتمروا ، وتواصوا ، وانصحوا لأمرائكمـ ولا تغشوهم ولا تلهكمـ الدنيا ، فإن المرء لو عمر ألف حول ما كان له بدٌّ من أن يصير إلى مصرعي هذا الذي ترون ... والسلام عليكم ورحمة الله. ثمّ التفت إلى معاذ بن جبل وقال : يــا معاذ ، صلِّ بالناس (كن إماما لهم). ثم ما لبث أن فاضت روحه الطاهرة ، فقام معاذ وقال : أيها الناس: إنكم قد فُجِعتم برجل – والله -- ما أعلم أني رأيت رجلاً أبرَّ صدراً ، ولا أبعد غائلة (الشر والحقد الباطن) ولا أشد حبــاً للعاقبة ولا أنصح للعامة منه ، فترحمـــوا عليه يرحمكمـ الله.
***************************
*تنبيه : الكلام الموضوع بين قوسين شرح لما قبله .
:::انتهت قصة الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح ولكـــــــن ترقبوا الصحابي الجليل القادم ::::
| |
|